مرثيّة جسد-بسمة الشّوالي – تونس
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

مرثيّة جسد

  بسمة الشّوالي    

ذهبت عنه . رفّت روحه في سمائها المتعالية بجناح واحد ، وفي إثرها ركض القلب الوجيع على ساق وقدم خشبيّة لم تتقن بعْد فنّ العرج . تخيّر لها من البياض أجود أقمشة الوداع ، وتأنّق في غرور السّواد المترف ، وتعطّرا بالعطر نفسه لكنّه لم يرثها . ترفّع الحزن عن الدّمع . تكثّف مطر العين برَدا تحبّب بين ثنيّات الجبين ، وملحها الحرش ترسّب في قاع القلب . أبّن نفسه فيها . نقص الجسد قطعة منه ، كمُل فيه خطّ الصّدع فمال يتساقط ناحية الشّمال فتتداركه اليمين بعسر ويقف على اعتدال مرتجّ يداري ضعفه بشموخ مفتعل ، ويُحكم شدّ وثاق البسمة الهاربة إلى شفتيه ليقنع من يراه يهوي بأنّه في فقدها لم يهوِ ، بأنّه ما يزال بعد انفصالها عنه على قيد الوقوف السّويّ ، وأنّها في ذاكرته الجسديّة حيّة تتأرجح ، تتشاقى ، تعرض فتنتها على الحسان ، تشتدّ في الضّمّ حتى تتأوّد من شوقها أضلع ، ومن بأسها تطقطق أخرى كالكِسَر .. فيشهد عليه شاهد من الجسد نفسه بالكذب .
    سجّاها مترفّقا أرضا . رغم ضمور حجمها وهوان وزنها كاد يسقط عليها حين أراد وضعها أرضا لولا تعرّضت له ركبتاه . خفّة جسمه صارت لا تحتمل ، وصار مهيّئا للسّقوط في أيّة عثرة كأنما وطنٌ جسده هذا فقد توازنه العاطفيّ وآل عرضة لسطوة اليمين المتشدّدة .. 
مرمى برودها المستفزّ جلس حذرا ، متوسّلا من ذراعه اليمنى سندا ، يراقب العامل يعدّ لها من جوف الأرض غرفتها النّاعمة . وسِّعْ عليها السّكن يا هذا ، لا تعبأ لصغر حجمها ، سيكون مرقدي بجوارها يوما ما .. رطّب فرشها ، نمنم حديقتها الجانبيّة بأنواع الزّهر لطالما كانت تحبّ عزق الأرض ، ورشّها عند المساءات الحارقة.. لطالما .. نظر ناحية مكانها منه ، مرّر كفّه الولهى على جسدها الصّغير . للمرّة الأولى تفارقه ، تجلس خارج حضنه لا يهدهدها ، لا يمسّح عليها ، لا يتفقّد الثّوب الذي يشدّها إلى صدره ، لا يثقل عليه موتها فيتبرّم بها ، يلعنها ، يمقت حظّه معها ، ومساء يستعتبها ، يربّت عليها ، يمدّدها رفقا حذاء أحلامه ، ويحضنها بدل التي تتحرّش بخياله . للمرّة الأولى يختنق في سعة الفراغ الذي يسكن مكانها إلى جنبه الأيسر ، يحنّ إلى نومها الأبديّ على صدره ، ورائحة العرق زعافا في دغَل إبطه المثنيّ مدى الوقت ، وما بينها وبين الذي من تحتها لحم قليلا ما يتهوّأ فيتهرّأ ، ويكتم الشّكاة .. تختلّ قدماه من بعدها ، تخبطان الأرض كيفما اتفّق كأنّما لا تحملانه إذا تحملان ، وسيره مترنّح ذات اليمين وذات الشّمال بلا سكر ولا نشوة نسيان . 
    عند باب المقبرة ، اِعترضه الكثير ولم يعرف أحدا . بعُد ، في شعوره الباطنيّ ، البون بينه وكافّة الأحياء من حوله ، كأنّما آل رفاتا يمشي جنب الماشين ساهما عنهم يسمع لا يعي ، ينظر لا يبصر ، ويفكّر تحت جنح السّواد المدلهمّ فلا يدري فيم يفكّر.. يضؤل حضوره في عينه مع الخطو ، يضمر جسمه في مخيّلته يضمر حتى يشعر أن لم يبق منه سوى كمّ القميص الخالي .. مثقلا كموزور يخبّ ، فاقدا توازنه كمبتور ، خجِلا يبحث أن يستخفي عن العيون فلا يجد ، يرتّب في ذهنه المستقيل من مهامّ الحياة مراسم عودته إليها في أقرب وقت ، لا حياة له ناقصا منها ، لا شكل له دونها ، ويخطّط لوصايا سيتركها لولد لم ينجبه وإرث عاطفيّ تليد يوصي به لامرأة لم يكفها نصف صدره الأيمن وساءها أن يقسم قلبه عدلا بينهما .
صاحبه القديم استوقفه عنوة مازحا :
-    أين بقيّتك يا رجل ؟  لا تقل خاصمتها بعد طول العشرة ..
     اِهتاج الملح في قلبه ، جمجم الحزن في حلقه . أجهش صمته . طأطأ يجتاز محدّثه . تحسّس مكانها من القميص . لم يجدها . الكمّ الفارغ مرتخٍ يتأرجح كغصن منبتّ تعابثه الريّح ،  والكتف اليتيم كمِد وحزين . يمناه التي اعتادت على شدّ شقيقتها اليسرى إلى جنبه تائهة لا تعرف كيف تحطّ على جسمه ، تتلمّس مكانها المرقّع حينا ، تنثني على الفراغ حينا ، تتدلّى حزينة كثيرا ، ولا تعرف كيف تمضي في الحياة وحيدة بلا توأمها ، ولا من أيّ عضو فيه تعيد به ربطّ الصّلة .



 
  بسمة الشّوالي – تونس (2013-03-09)
Partager

تعليقات:
محمد اجكنورالمغرب /المغرب 2013-04-17
جنازة النص
عادت الأستاذة الجليلة بسمة لتطل علينا من زاوية سردية ضيقة هذه المرة .وبآليات جمالية موغلة في البهرجة اللغوية الفارغة و البذخ ا اللفظي المقعر الذي لا يخدم ألمثن السردي في شيئ ... لقد اكتسح الوصف مساحة كبيرة من النص فحوله برمته الى مشهد جنائزي مجاني ضحل و خال من المتعة السرية.فاضحى العمل كله ضحية فكرة الموت التي هيمنت على البنية النفسية وبالتالي الفكرية للكاتبة مما ضيقت عليها زاوية الرؤيا بل فوتت عليها فرصة المناولة ذات لإبعاد الجمالية والفنية المكونة حقا للبنية السردية ..
نسجل إذن تفكك الخريطة الزمنية بين مشاهد النص(1/2/3) مع هيمنة الرؤيا الخلفية التي غيبت دور شخصيات النص وبالتالي حجرت على القارئ الفاعل/ المنفعل الذي يشكل بعدا استراتيجيا في فهم وإعادة تشكل المتن نفسيا ولغويا وبالتالي إبداعيا عبر شبكة الأحداث وبناء افق الانتظار واختراق لحظة الدهشة واحترام عتبة الغور النفسي الذي هو مصدر التفاعل ودافع متعة القراءة الهادفة..النص عموما عبارة عن سرية لغوية مهيمنة ، ألبست النص لباس البياض المودع وتركت وراءها سوداوية متعبة ثقيلة بقلب من يقرأ النص بعين فاحصة..
أستاذة بسمة كاتبة كبيرة متمكنة عودتنا على السبك الجميل والمتعة الفنية التي تثير فينا فضول القراءة و نشوة النقد ومتعة الإبداع...
حظ سعيد و مزيد من التألق أستاذة...
ذ/ محمد اجكنور ورزازات المغرب
البريد الإلكتروني : simou62a@hotmail.com

محمد اجكنور /المغرب 2013-04-15
جنازة النص
عادت الأستاذة الجليلة بسمة لتطل علينا من زاوية سردية ضيقة هذه المرة .وبآليات جمالية موغلة في البهرجة اللغوية الفارغة و البذخ ا اللفظي المقعر الذي لا يخدم ألمثن السردي في شيئ ... لقد اكتسح الوصف مساحة كبيرة من النص فحوله برمته الى مشهد جنائزي مجاني فلكلوري ضحل و خال من المتعة السرية.فاضحى العمل كله ضحية فكرة الموت التي هيمنت على البنية النفسية وبالتالي الفكرية للكاتبة فضيقت عليها زاوية الرؤيا بل فوتت علينا فرصة المناولة ذات لإبعاد الجمالية والفنية المكونة حقا للبنية السردية ..
نسجل إذن تفكك الخريطة الزمنية بين مشاهد النص(1/2/3) مع هيمنة الرؤيا الخلفية التي غيبت بدورها دور شخصيات النص وبالتالي حجرت على القارئ الفاعل/ المنفعل الذي يشكل بعدا استراتيجيا في فهم وإعادة تشكل المتن نفسيا ولغويا وبالتالي إبداعيا عبر شبكة الأحداث وبناء افق الانتظار واختراق لحظة الدهشة وحترام عتبة الغور النفسي الذي هو مصدر التفاعل ودافع متعة القراءة الهادفة..النص عموما عبارة عن سرية لغوية مهيمنة ، ألبست المثن لباس البياض المودع وتركت وراءها سوداوية متعبة ثقيلة بقلب من يقرأ النص بعين فاحصة..
أستاذة بسمة كاتبة كبيرة متمكنة عودتنا على السبك الجميل والمتعة الفنية التي تثير فينا فضول القراءة و نشوة النقد ومتعة الإبداع...
حظ سعيد و مزيد من التألق أستاذة...
ذ/ محمد اجكنور ورزازات المغرب 2303
البريد الإلكتروني : simou62a@hotmail

أمزيل عبد العزيز /المغرب 2013-03-14
سلمت يدك أيتها المبدعة... عمل رائع ..
واصلي ..
البريد الإلكتروني : timitar05@yahoo.fr

فتحي العكرمي /تونس 2013-03-11
أبارك لك هذا النص المفعم بترحال ذاتِ في ثنايا الوجع يقصّ فاجعة تنوء بها روح متكسّرة وجسد هزيل ،تكثيف للمشاعر وللوصف ولغة منسابة
البريد الإلكتروني : fathiakermi@gmail.com

مبريك يماني /العبادلة بشار الجزائر 2013-03-10
الى المبدعة بسمة الفاظ مطروزة منسجمة بناء رفيع المستوى امسكت عنان الرسم الكتابي جعلت من منطوقات ملفوظة عادية مدلولات سحرية تتسرب ولوجا قصريا الى مكامن النفس بمنهجية سايرت طيف الجنان معبرة باللسان متجلية للعيان ما عساني اقول يا بسمة قد الاقصوصة قد بان ام رشاقة الخيزران لله درك ياروضة الجنان حفظك الله من انس وجان
البريد الإلكتروني : yamanimebirik@yahoo.ca

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مرثيّة جسد-بسمة الشّوالي – تونس

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia